عودة الروح للمشروع العملاق ”توشكى”.. خير ووفرة زراعية
من مشروع كان ينظر إليه باعتباره نموذجا للفشل ولإنفاق المليارات بلا عائد، إلى مشروع ينمو سريعا ويحقق مكاسب اقتصادية واستراتيجية عديدة.. هكذا يمكن تلخيص واقع مشروع توشكى، الذى عادت الروح إليه فى الآونة الأخيرة، بسبب توجه الدولة إلى انتشال توشكى من وحل الفشل واستعادته كنقطة ارتكاز فى استراتيجية مصر الزراعية، وهو ما تحقق خلال سنوات قلائل ضمن مشروع "توشكى الخير" الذى أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبدأت مصر تجنى ثماره بداية من العام الحالى.
وانطلق مشروع توشكى عام 1997، وكان الدكتور كمال الجنزورى، رئيس الوزراء وقتذاك هو الأب الروحى للمشروع الذى سرعان ما تعثر بعد مغادرة الأخير منصبه فى 1999، ليدخل المشروع مقبرة الفشل بعد التوقف عند استصلاح مساحة لا تزيد على 40 ألف فدان، رغم ابتلاع المشروع مليارات ذهبت فى تجهيز البنية التحتية للمشروع الذى كادت تبتلعه رمال الصحراء، لولا أن أعاد الرئيس السيسى النظر فيه ووفر له الدعم والدراسات الكافية لإعادة إحيائه ليتحول الآن لمشروع منتج، ويخطط أن تزيد مساحته المزروعة إلى نصف مليون فدان فى السنوات القليلة المقبلة، ليتم إنشاء وادٍ جديد فى الصحراء الغربية، إذ يجرى العمل على قدم وساق للانتهاء من مراحل المشروع الاستراتيجى الذى سيوفر لمصر محاصيل زراعية فى مقدمتها القمح، حيث يتم زراعة نحو 240 ألف فدان حاليا، جارٍ العمل على إضافة نحو 500 ألف فدان لها قبل نهاية العام الجارى.
د.سعد نصار: نتوقع الوصول لزراعة مليون فدان مستقبلا
مشروع قومى مصرى
الدكتور سعد نصار، رئيس مركز بحوث الصحراء فى توشكى، كشف لـ"آخرساعة" أسباب تعثر مشروع توشكى وما تحقق على الأرض مؤخرا: "لم يحقق المشروع أى ربحية حتى سنوات قليلة، لأن المساحة المزروعة منذ بداية المشروع حتى عام 2015 لم تزد على 40 ألف فدان، بينما المستهدف كان 540 ألف فدان، أى أنه لم يصل إلى 10%، وكان أبرز أسباب التعثر عدم اكتمال حفر الفرعين الثالث والرابع من ترعة الشيخ زايد، المسئولة عن نقل المياه من بحيرة ناصر لمنخفضات توشكى، لكن تدخل الرئيس السيسى وجه أجهزة الدولة لاستكمال الحفر وإزالة الحاجز الجرانيتى الذى عطل المشروع فى وقت سابق، بينما نفذت الوزارات المعنية مشروعات جديدة تتعلق بمد وزارة الرى بالبنية التحتية اللازمة للترع، وإقامة وزارة الإسكان مدينة توشكى الجديدة، ومد وزارة النقل شبكة طرق حديثة".
وتابع: «توشكى مشروع قومى للدولة المصرية كلها، بعد أن تم زيادة المساحة المستهدف زراعتها فى توشكى قبل نهاية العام الجارى إلى 500 ألف فدان تقريبا، يمكن أن تزيد إلى مليون فدان مستقبلا، ما يعنى زيادة فى مساحة الأراضى الزراعية الإجمالية فى مصر، خاصة فى المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والذرة الشامية، ما سيؤدى لردم الفجوة فى الاستهلاك والمستورد من المحاصيل الزراعية، ونستطيع القول إن مشروع توشكى بات مشروعا استراتيجيا ناجحا فى إضافة رقعة زراعية ودخل من الإنتاج الزراعى وتوفير آلاف فرص العمل"، وأضاف: "الميزة الأساسية أن مساحات الأراضى الزراعية كبيرة فى توشكى ما يجعل عملية الميكنة فى الزراعة أساسية ومربحة، على عكس واقع تفتيت الملكية فى الأراضى الزراعية داخل الوادى والدلتا ما يصعِّب من استخدام الميكنة الحديثة فى الزراعة، التى تساعد على زيادة الإنتاجية والاستخدام المحسوب للمياه"، لافتًا إلى أن منخفضات توشكى ممتلئة بالمياه كمخزون يستخدم فى الزراعة، وهو إنجاز تحقق فى السنوات الأربع الأخيرة.
مجتمعات زراعية
ويعد اهتمام الرئيس السيسى بإعادة إحياء المشروع هو السبب فى انتشال "توشكى" من تعثره، إذ ترمى الدولة بحسب المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية فى بيان رسمى صدر على هامش زيارة الرئيس السيسى لتوشكى فى أبريل الماضى، إلى "إنشاء مجتمعات زراعية متكاملة لها مردود وعوائد اقتصادية كبيرة، وتدعم الأمن الغذائى وزيادة الصادرات، وتحقق طفرة زراعية، فضلًا عن توفير الآلاف من فرص العمل فى إطار نهضة تنموية شاملة"، وشدد المتحدث على أن مشروع توشكى يعد الأكبر من نوعه فى قطاع الاستصلاح الزراعى فى الشرق الأوسط، وأحد المشروعات القومية العملاقة التى نجحت الدولة فى إعادة الحياة لها، بحل كافة المشكلات التى كانت تعوق المشروع عن تحقيق مستهدفاته، وكذلك توفير جميع المقومات اللازمة لنجاحه، وهو الأمر الذى تطلب القيام بحجم أعمال هائل فى كافة جوانب ومكونات المشروع للنهوض به سواء على الجانب الإنشائى والبنية الأساسية، أو الفنى، أو ما يتعلق بتوفير مياه الرى ومصادر الطاقة، وكذلك إنشاء المحاور لربط المشروع بشبكة الطرق القومية، وتوفير الموارد المالية لكل تلك العناصر.
خدمات متكاملة
وإذا ذهبنا إلى موقع "خريطة مشاريع مصر"، سنجد تعريفا بالمشروع فى صورته الجديدة والمستهدف منه، إذ يستهدف مشروع "توشكى الخير" إنشاء وادٍ جديد فى الصحراء الغربية على مساحة 540 ألف فدان، وبلغت تكلفة المشروع 6.4 مليار جنيه، وتم البدء فيه فى أكتوبر 2020 وقد تم زراعة 30 ألف فدان قمح خلال أول 3 أشهر من بداية المرحلة الأولى، كما تم إنهاء تجهيز حوالى 100 ألف فدان قابلة للزراعة، وجارٍ تجهيز 100 ألف فدان أخرى، مع الانتهاء من توفير جميع الخدمات لمشروع توشكى وإزالة كافة المعوقات التى تواجهه، إذ تم حفر وتبطين ترع بإجمالى طول 19.8 كم، وجارٍ حفر ترع بطول 18.2 كم، وتم إنشاء 52 محطة طلمبات تضم 219 طلمبة لضخ المياه لأجهزة الرى المحورى، وجارٍ إنشاء العديد من المحطات الأخرى.
كما تم مد شبكات رى بإجمالى أطوال 420 كم، إضافة إلى 670 كم جارٍ تنفيذها لتصل أطوال شبكة الرى إلى 1090 كم، إلى جانب توريد وتركيب وتشغيل 497 جهاز رى محوريا بمناطق الأسبقية العاجلة واستكمالها لتصل لنحو 800 جهاز للمرحلة الأولى، وتم إنهاء 415 كم من شبكات الطرق الرئيسية والمدقات، ويتم حاليًا تنفيذ 677 كم أخرى من إجمالى 1092 كم المستهدفة. إضافة إلى الانتهاء من تنفيذ جميع أعمال الكهرباء لتغذية محطات الطلمبات وأجهزة الرى المحورى متمثلة فى 2907 أبراج هوائية بإجمالى 650 كم هوائيات، وأيضًا وصول شبكات السكة الحديد التى سيكون لها الدور الأساسى فى عملية نقل المحاصيل الزراعية إلى أماكن الاستهلاك وموانئ التصدير.
مفيض توشكى يهدف لإنشاء مجتمعات زراعية متكاملة
أفضل موقع
من جهته، يرى الدكتور عباس شراقى، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، أن مشروع توشكى بوضعه الحالى قد تخلص من الكثير من المعوقات التى منعت من تحوله إلى مرحلة الإنتاجية، وتابع: "المشروع الآن فى مرحلة تحقيق إنجازات أساسية، خصوصا مع التوسع فى زراعة محاصيل القمح والذرة الشامية، فضلا عن النخيل الذى يعزز من وضع مصر كأكبر دولة مصدرة للتمور فى العالم"، ولفت إلى أن أحد أهم المكاسب التى تجنيها مصر حاليا من مفيض توشكى هو دعم الاحتياطي من المياه الجوفية فى منطقة الصحراء الكبرى، عبر إعادة شحن الخزان الجوفي بالمنطقة عبر استخدام آلية الشحن الصناعي، وهو خزان من المياه لصالح الأجيال القادمة.
وأشار إلى أن نظام الري المحوري أحد المكاسب في ري الأراضي في توشكي، خصوصا أن معدات هذا الأسلوب من الرى تصنع فى مصر حاليا، وشدد على أن من يهاجم موقع توشكى بسبب درجة الحرارة يغيب عنه نقطة محورية أساسية وهي أن مفيض توشكى يسحب المياه من بحيرة السد، بسبب موقعه وهو أفضل موقع لأنه لا يمثل ضغطا على مجرى النهر فى وادي النيل، وهى نقطة تغيب عن الكثيرين ممن ينتقدون موقع المشروع.