دكتور محمود محيي الدين: مصر لديها مقومات الخروج من الأزمة الاقتصادية رغم التحديات الإقليمية والدولية
أكد الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة، أن مصر تمتلك مقومات الخروج من الأزمة الاقتصادية وتحقيق النمو والتنمية رغم التحديات التي تفرضها الأوضاع السياسية والاقتصادية المتأزمة على الساحتين الإقليمية والدولية.
وقال محيي الدين، في حديث لبودكاست "حكاوي مع أمل الحناوي"، إن مصر قطعت شوطًا كبيرًا في تخطي الأزمة الاقتصادية من خلال استعادة استقرار الوضع الأمني بعد تراجعه في الفترة من ٢٠١١ إلى ٢٠١٣، وتحولها إلى واحة أمن في إقليم يعج بالأزمات السياسية والأمنية، مشددًا أنه لا يمكن لأي دولة أن تحقق نجاحًا اقتصاديًا دون تحقيق الاستقرار الأمني.
وأضاف محيي الدين أن الاقتصاد المصري هو من الأكثر قدرة على التنوع على المستوى الإقليمي العربي والأفريقي والمتوسطي، حيث تتمتع مصر بموارد متنوعة للنمو الاقتصادي مثل الزراعة والصناعة والسياحة وغيرها من المجالات، فضلًا عن القوة البشرية والتركيبة السكانية الشابة الداعمة لعملية النمو.
وأفاد محيي الدين بأن مصر تمكنت في فترات سابقة من الاستفادة من حالة الهدوء في الاقتصاد العالمي والاستقرار النسبي في المنطقة لتنفيذ استراتيجيتها لتحقيق التقدم في مجال الاستثمار من خلال تحسين مناخ الاستثمار وتطوير نظام الجمارك وإصلاح النظام المالي والعمل على الاستقرار النقدي وتحرير سعر الصرف وإصلاح المنظومة الضريبية، غير أن الفترة الحالية يشهد فيها العالم أزمة ثقة مشتدة بين الأطراف القائدة للاقتصاد العالمي، وقيود لحركة التجارة فرضتها الصين والولايات المتحدة، إلى جانب حالة عدم الاستقرار والحرب بين روسيا وأوكرانيا مع دعم أوروبا والولايات المتحدة لكييف، إلى جانب جائحة كورونا والحرب على قطاع غزة، وهي أمور كلها عقدت موقف الاقتصاد العالمي.
وأكد محيي الدين أن تحقيق الاستقرار للاقتصاد الكلي بما يدفع بعجلتي الاستثمار والتصدير يستلزم استهداف التضخم وضبط عجز الموازنة العامة للدولة والسيطرة على خدمة الدين العام الخارجي والمحلي وضمان حرية التنافس بين القطاع الخاص واللاعبين الاقتصاديين التابعين للدولة، حيث تجعل هذه الإجراءات الاقتصاد في حالة من المرونة ويسمح للاقتصاد الخاص بالتوسع ومن ثم تشغيل الناس وزيادة دخولهم، وهو ما يساهم في تحقيق التنمية والنمو وتنشيط الاستثمار والتمويل.
وقال محيي الدين إن الحكومة المصرية تعمل باجتهاد للخروج من الأزمة الاقتصادية الذي يتطلب الاستثمار في رأس المال البشري بما يزيد من قدرته على الإنتاج والمنافسة، وتعزيز الاستثمارات المشتركة والشراكات بين القطاعين العام والخاص خاصةً في مجالات التحول الرقمي والبنية الأساسية، وهو ما حققت فيه مصر خطوات إيجابية وتتجه نحو تحقيق المزيد من خلال تعزيز البنية الأساسية والمرافق والتوسع في تنفيذ مبادرة حياة كريمة، وتعظيم الاستفادة مما تم تنفيذه بالفعل من مشروعات البنية الأساسية لزيادة الإنتاج والاستثمارات وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في هذا الإطار.
ونوه عن ضرورة تمتين الاقتصاد والمجتمع في مواجهة الصدمات الخارجية، والاعتماد على التمويل عن طريق الاستثمار وليس القروض، مشيرًا، في هذا السياق، إلى أهمية سد العجز في النظام الضريبي والموارد السيادية بما يسمح بتغطية نفقات الدولة ومن ثم تجنب الاقتراض المحلي وما له من أثر تضخمي، وعدم اللجوء للاقتراض الخارجي.
وأوضح أن برنامج صندوق النقد الدولي الحالي مع مصر مر بصعوبات في عامه الأول بتأثير من جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، لكنه شهد تحسنًا في عامه الثاني مع وجود مؤشرات تدعو للتفاؤل لنجاح البرنامج في عاميه الأخيرين تستلزم بذل المزيد من الجهود.
وأكد محيي الدين أنه لا يمكن الفصل بين الاقتصاد والسياسة حيث أن العمل على حل مشكلات الناس الاقتصادية يتم عبر اختياراتهم السياسية، وهو ما يطلق عليه مصطلح الاقتصاد السياسي، مشيرًا إلى أنه رغم اختلاف المدارس السياسية في الصين -على سبيل المثال- عنها في الولايات المتحدة إلا أن كلا الجانبين يحقق نموًا اقتصاديًا يتوافق مع آلياته واعتباراته السياسية.
وأعرب عن اعتقاده بأهمية وجود السوق الفاعلة والدور الحيوي للقطاع الخاص مع الرقابة الجيدة والفاعلة من جانب أجهزة ومؤسسات الدولة والتي تحقق قدرًا من التوازن بين التقدير لحرية السوق وقدرة القطاع الخاص على العمل والإنتاج.
وبحديثه عن الاقتصاد العالمي، قال محيي الدين إن الريادة الاقتصادية في القرن التاسع عشر كانت لدول أوروبا، ثم تحولت الريادة غربًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي مازالت تهيمن على المشهد الاقتصادي من حيث الأرقام والإحصاءات على أقل تقدير، غير أن كفة الريادة الاقتصادية ستميل حتمًا في المرحلة القادمة إلى آسيا بفضل ما تحقق في الصين والهند ومجموعة الآسيان من معدلات تقدم ونمو كبيرة.
وأشار إلى وجود رهان كبير على أن تحقق أفريقيا في المرحلة المقبلة تقدمًا واسعًا بفضل القوة البشرية الشابة وتوافر الموارد الداعمة للنمو والتقدم.