شيخ الأزهر يدعو لوقف الحرب الروسية الأوكرانية من أجل السلام
دعا الإمام الأكبـر أحمد الطـيـب، شـيخ الأزهــر الشـريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، إلى وقف الحرب الروسية الأوكرانية، من أجل سلام العالم واستقراره، بالقول: "أضمُّ صوتي إلى صوتِ محبِّي الخير ممن يدعون إلى السَّلام ووقف الحرب الروسية الأوكرانية، وحقن دماء الأبرياء مِمَّن لا ناقةَ لهم ولا جَمَل في هذه المأساة، ورفع راية السَّلام بدلًا من راية الانتصار، والجلوس إلى دائرة الحوار والمفاوضات".
كما دعا فضيلة الإمام الأكبر، خلال كلمته في الجلسة الختامية لملتقى البحرين للحوار، إلى وقف الاقتِتال الدائر في شتَّى بقاع الأرض «لإعادة بناء جسور الحوار والتفاهم والثقة» من أجل استعادة السَّلام في عالم مُثخَن بالجراح؛ وحتى لا يكون البديل هو المزيد من مُعاناةِ الشُّعُوب الفقيرة، والمزيدُ من العواقب الوخيمة على الشَّرقِ والغربِ معًا.
كما قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن السلام مبدأ من المبادئ التي عمق الإسلام جذورها في نفوس المسلمين، فأصبحت جزءا من كيانهم وإيمانهم، ولقد صاح الإسلام -منذ طلع فجره وأشرق نوره- صيحة مدوية في آفاق الدنيا، ودعا إلى السلام، ووضع الخطة الرشيدة التي تبلغ بالإنسانية إليه، ورسم الطريقة المثلى لتعيش الإنسانية في ظلاله، كما أن الإسلام لم يقف بالدعوة إلى السلام عند انعدام الحرب فقط، بل جعل من السلام كل ما يؤدي إلى استقرار الحياة، على نحو يشمل علاقات الإنسان الكبرى والصغرى، وتمثل ذلك في شريعة الإسلام وعقيدته وأخلاقه.
وأضاف وكيل الأزهر خلال كلمته بالمؤتمر العالمي الدولي الثاني "الدعوة الإسلامية والسلام العالمي .. تحديات الواقع وآفاق المستقبل"، أن مع الدعوى العريضة للسلام ولتحقيقه بين كل البشر على اختلاف توجهاتهم إلا أن الدعوة الإسلامية منذ مهدها وهي تواجه تحديا تلو الآخر، لكنها تنجو منه بحفظ الله لها، وبوجود رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه قاموا على ثغورها ونشر قيمها وتعاليمها السمحة، والمتابع المدقق لما تمر به الأمة الإسلامية اليوم يجد أنها تعاني من أشد أنواع الأمراض خطورة، وهو المرض الفكري الذي أدى إما إلى التطرف الذي نتج عنه الإرهاب بأنواعه وإما إلى التفريط الذي نتج عنه الانحلال الأخلاقي والإلحاد، الأمر الذي يوجب على جميع العلماء النهوض وبقوة لمواجهة هذا المرض العضال وحماية المجتمعات الإسلامية من خطورته.
وبين الدكتور الضويني أنه مع تسليمنا أن لكل عصر خصائصه، فإن عصرنا الحالي الذي تهيمن عليه الصناعات الثقافية والإعلامية الغربية من خلال شركات عابرة للقارات عملاقة وضخمة تتوفر لديها إمكانيات هائلة وموازنات ضخمة جدا يفرض علينا تحديا كبيرا، وهو كيف نقوم بواجب الدعوة الإسلامية في العالم، وكيف تصل رسالة السماء إلى أهل الأرض؟، وكي نكون واضحين أمام أنفسنا، فإن الفرصة المتوفرة أمام المسلمين لاستغلال الإعلام الجديد للقيام بالدعوة والتعريف بالإسلام والرد على الصور النمطية والتشويه والتضليل والحملات الدعائية المغرضة فرصة يجب أن تستثمر على الوجه الأتم، الذي يحقق عالمية الدعوة وعالمية الرسالة.
وأكد وكيل الأزهر أنه من الواجب علينا ونحن نتعامل في هذا الميدان أن نكون على يقظة وحذر ووعي بهذه القوى التي تسيطر على هذا الميدان، والتي تقدر أن تجعل من الشيطان الرجيم ملاكا رحيما والعكس بالعكس، ومن ثم فإن إشكالية نشر الدعوة والثقافة والإسلامية في العصر الرقمي تتمحور حول الاستغلال الأمثل للوسائل والإمكانيات المتاحة من تكنولوجيا حديثة لوسائل الاتصال ومن وسائط متعددة، مع الأخذ في الاعتبار قوة الكيانات عابرة القارات التي تعمل على التشويه المستمر للإسلام والمسلمين، كما أن من الواجب علينا أن نصل إلى مرحلة الاستثمار في الفكر الإسلامي؛ فالحضور الدعوي، والتأثير الثقافي على المستوى الدولي بحاجة إلى مجهودات كبيرة منسقة ومنظمة تخاطب الآخر بلغة العصر وبمنهجية علمية وبمنطق عقلي حتى تحقق المبتغى منها، ويحتاج إلى إنتاج فكري وعلمي، ومنتج بجودة ونوعية تقدر على منافسة ما هو موجود على الساحة العالمية.
وأوضح أن أكبر مرجع للدعاة هو حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالواجب على كل منشغل بالدعوة أن ينظر في هذه السيرة العظيمة التي تعبد لنا طرائق الدعوة إلى الله فيتخذ منها دستورا في دعوته، فتصل به إلى بر الأمان، فيكون من أحسن الناس قولا، وقد كان صلى الله عليه وسلم سلاما ورحمة للعالمين، والأزهر الشريف أقدم جامعة عرفها التاريخ الإنساني مهموم ومعني ببيان حقيقة رسالة الإسلام، وحريص على الحفاظ على الدعوة الإسلامية وحمايتها من كافة الأفكار والآراء التي تحاول بث سمومها من أجل تشويه رسالة الإسلام، مما يدعونا إلى أن نعيد التفكير في مستقبل الدعوة الإسلامية، وإنتاج مشروع فكري جديد يستمد أسسه من ماضيه ويستند إلى الواقع ويستشرف المستقبل ليخرج الأمة من كبوتها ويعيد للرسالة الإسلامية مكانتها وللأمة ريادتها.
وأكد الدكتور الضويني أن التحديات المعاصرة كثيرة جدا، تجعل الأمر في غاية المشقة، وإن لم نتدارك ونضع آليات المعالجة، ونبدأ على الفور في وضع برنامج عمل لغرقنا في هذا الطوفان الهائل، الذي يرمينا مرة إلى إلحاد وتشدد، ومرة إلى تحلل أخلاقي وشكلية في التدين، وهذا كله يضعف الأمة، ويؤثر سلبا على دعوتها، كما أن الدعوة الإسلامية في حاجة ملحة إلى برنامج عمل ننزل فيه إلى أرض الواقع يدمج فيه التراث بالحاضر، ويجمع الداعية فيه بين علوم الشريعة وعلوم النفس والاجتماع والإدارة، فالدعوة الإسلامية اليوم مدعوة للتفاعل مع المتغيرات العالمية من أجل تفعيل دورها وأداء مهامها الشرعية المنوطة بها على الصعيد الإسلامي الداخلي وعلى الصعيد الخارجي، وذلك من خلال العمل على ترسيخ الفهم الإسلامي الوسطي المعتدل، والاهتمام ببناء الشخصية الإسلامية المتوازنة، وتطوير الخطاب الديني مضمونا وصياغة حتى يمكنه الإجابة عن الإشكالات المثارة في الساحة الغربية والشرقية على حد سواء، تلك الإشكالات التي تحتاج إلى أجوبة واضحة ومقنعة.
وشدد وكيل الأزهر على ضرورة العمل في إطار واحد من أجل تطوير العمل الدعوي، والتنسيق بين المؤسسات المعنية والمهمومة بأمر أمتها من أجل تأهيل الدعاة وتدريبهم على الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للإرشاد والمتابعة في أنحاء العالم، كما يجب الاهتمام بالخطاب الإعلامي الدعوي، وضبط أسسه وقواعده، وتطويره بما يتلاءم مع ثقافة الأمة ومتطلبات العصر، فضلا عن وضع استراتيجية مشتركة حول ثوابت العمل الدعوي، وتنسيق الجهود والبرامج حول أولوياته بما يؤدي إلى جمع الكلمة وتحقيق المصلحة العليا للدعوة الإسلامية، والبعد عن كل ما يثير العداوة والفرقة بين المسلمين، وبما يحقق السلام العالمي المنشود.
واختتم وكيل الأزهر كلمته بأننا نبحث اليوم عن دور الدعوة الإسلامية وأثرها في خدمة السلام العالمي فإن ما يقوم به الأزهر الشريف بتوجيهات ومشاركة مباشرة من فضيلة الإمام الأكبر - حفظه الله- لهو خير دليل على أن مؤسسة الأزهر تعي جيدا وتدرك حجم التحدي الذي تواجهه الدعوة الإسلامية، ونحن اليوم نترقب بكل اهتمام تلك القمة الدينية الروحية التي تعقد على أرض مملكة البحرين الشقيقة برعاية الملك حمد بن عيسي، يومي الخميس والجمعة، بحضور بابا الفاتيكان يؤكد على قيام مؤسسة الأزهر الشريف بواجبها تجاه الدعوة الإسلامية ونشر السلام العالمي، وما توقيع «وثيقة الأخوة الإنسانية» بين شيخ الأزهر الشريف، وبابا الفاتيكان، في أبوظبي 2019، إلا جهد مبارك يسهم بشكل فعال ومباشر في نشر السلام العالمي، وتحقيق العيش المشترك، من خلال تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة التي أدت إلى الإرهاب والعنف وعدم الاندماج الإيجابي في بعض المجتمعات الإنسانية، وهو ما يولي له الأزهر أهمية خاصة تنطلق من دوره ورسالته العالمية في إقرار السلم المجتمعي بين جميع الأمم والشعوب.
قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، إن مؤتمر كلية الدعوة الإسلامية الدولي الثاني الذي جاء بعنوان " الدعوة الإسلامية والسلام العالمي .. تحديات الواقع وآفاق المستقبل"، يعمل على معالجة هموم الدعوة في ظلال قضية هي أم القضايا، وهي قضية السلام، ويبدأ المؤتمر من أرض الواقع دون أن يعيش في أوهام الخيال ولا في عالم افتراضي لاوجود له، بل ينطلق من " تحديات الواقع " كما جاء في عنوان المؤتمر ؛ لأن من أغمض عينيه عن واقع الحياة والأمة والأمم والعالم ، فقد أغمض عينيه عن حياته وقضى على نفسه بنفسه.
وأضاف رئيس جامعة الأزهر أننا أمة تفتخر بأمجاد الماضي وهي تبني مفاخر الحاضر، كما يستشرف هذا المؤتمر في ظلال قضية السلام العالمي " آفاق المستقبل " يرمق أطيافه من بعيد ، يحاول أن يرى ملامح وجهه قبل أن يسفر صبحه وتنبلج أنواه؛ وقد أمرنا الإسلام أن لا نضيع الحاضر بالمستقبل، كما أمرنا أن نعمل للمستقبل ونستعد له، وجعل إصلاح الحاضر بوابة لإصلاح المستقبل ، فقال جل وعلا " وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا "، فجعل الحق جل وتقدس القول السديد والعمل الرشيد الذي يقدمه الآباء في حاضرهم وسيلة لإصلاح أبنائهم من بعدهم ؛ فدلنا على أن لا نعمل ليومنا فقط بل نعمل للجيل الذي يخلفنا ويحمي أرضنا وعرضنا ويحمل اللواء من بعدنا ويحمل الأمانة في عقبنا ؛ مع اليقين بأن علم ما في غد هو من الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه.
وبيّن الدكتور داوود أن السلام العالمي يعني بمنطوقه أن يعم السلام أرجاء العالم ؛ فلا نرى حربا ولا قتالا ، ولا نرى أبواقا تعمل جادة ليلها ونهارها لإيقاد نار الحرب؛ وهؤلاء هم النعارون في الفتن المرجفون في كل زمان ومكان، وهم إن لم يحملوا السلاح فقد كانوا السبب في حمله، وإن لم يدخلوا الحرب فقد كانوا طبولها وأبواقها، كما أن الحروب المشتعلة في بلاد متفرقة من العالم، سواء في دول العالم الأول أو دول العالم الثاني أو دول العالم الثالث، قاطعةٌ كلُّها بأن مصطلح " السلام العالمي" لا يزال حلما يراود العقول؛ ولا يزال كالمدينة الفاضلة التي كان يحلم بها أفلاطون، فهل نعيش لنراه بعيوننا واقعا يتحقق في عالم يسعى إليه ويحفد، وتقوم به مؤتمراته وتقعد، هل نعيش لنراه بعيوننا أم أنه طيف خيال؟.
وأكد رئيس جامعة الأزهر أن الأمم السعيدة الموفقة هي التي تطفىء نيران الحرب ولا تقحم نفسها فيها، وتدفع الشر، فما يشهده العالم من طغيان القوي المتكبر على الضعيف العاجز وما تعانيه الدول من ويلات هذا الطغيان في كساد اقتصادها وغلاء معيشتها - قاطعٌ بأن السلام العالمي لا يزال حلما كحلم أفلاطون بالمدينة الفاضلة، مؤكدًا أن أُمَّةً يتقدم ضعفاؤها الأولوية في التعليم والاقتصاد والصحة أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ.
وشدد أن عدوان الصهيونية العالمية على حق الشعب الفلسطيني ومقدسات المسلمين منذ ما يقرب من قرن من الزمان، وإن الحروب والصراعات والنزاعات في روسيا وأوكرانيا واليمن وسوريا وليبيا وهلم جرا، كل ذلك قاطعٌ بأن السلام العالمي لا يزال حلما كحلم أفلاطون بالمدينة الفاضلة، ولا يزال أملا يراود النفوس ويعانق الأحلام، ومع ذلك يبقى السعي نحو تحقيق السلام العالمي ضرورة يوجبها الشرع والعقل ويتفق على أهميتها كل ذي عقل سليم معافى من داء الهوى والغفلة ؛ حتى لا تشتعل حروب مدمرة تقضي على الأخضر واليابس ، وتُهلك الحرث والنسل، والكبير والصغير، والغني والفقير ، والقوي والضعيف.
وأوضح داوود أنه إذا كانت الدعوة إلى الحرب دعوةً إلى الدمار والموت؛ فإن الدعوة إلى السلم والهدى والعدل دعوة إلى الحياة؛ وإن القرآن الكريم جعل نعمة الهدى تعدل نعمة الحياة فقال الله جل وعلا ( يا أيها الذين آمنوا استجيوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " ( الأنفال 24 ) ، كما إن الدعوة إلى الله تعالى تكون بالقول والعمل، لقوله تعالى ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين " ( فصلت 33 )، ولاحظ ترتيب الأفعال الثلاثة : دعا – وعمل – وقال ، ولاحظ تقديم العمل على القول في قوله " وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين " وهذا دال على ضرورة أن يسبق عمل الداعي قوله وأن يكون هاديا بعمله قبل أن يكون هاديا بقوله.
واختتم رئيس جامعة الأزهر كلمته بحث الدعاة على الإصرار على الدعوة وعدم اليأس مما يواجَهون به من الإعراض والتكبر والفرار ، فلنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم يثنه عن الاستمرار في دعوته أكثر من عشرين سنة إعراضُ المعرضين ولا تكذيب المكذبين، بل ما زاده ذلك إلا عزيمة على الرشد وحرصا على الدعوة، ولنا في سيدنا نوح عليه السلام مثل وقدوة في إصراره على الدعوة رغم ما لقي من إعراض وتكبر وفرار، فوضوح الهدف أمام الداعية واقتناعه وإيمانه به هو سبيل النجاح ، قال الله جل وعلا ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني).