مخاوف من تكرار الماضى وانطلاق حرب عالمية من بولندا
حالة من الهلع اجتاحت العالم خلال الـ24 ساعة الماضية، واتساع دائرة الخوف من نشوب حرب عالمية جديدة تكون بدايتها من بولندا كما حدث في الحرب العاليمة الثانية، وذلك بعد الإعلان عن سقوط صواريخ على الأراضي البولندية بالتزامن مع هجمات روسية على أوكرانيا.
وعبر العديد من المتابعين والسياسيين عن خوفهم من نشوب صدام مباشر بين روسيا وحلف الناتو، كون بولندا هي حلف بالناتو منذ 1999، بل وتعد الشريك الأهم للولايات المتحدة داخل الحلف بأوروبا، خصوصا أن كافة التحركات في الأزمة الأوكرانية كانت تتجنب صدام مباشر "روسي – ناتو"، وكان آخرها رفض ألمانيا حذر جوي في أوكرانيا حتى لا تكون شرارة الحرب.
الصاروخ ليس روسيا
وبعد أن كانت الاتهامات توجه مباشرة إلى روسيا بإطلاق الصواريخ على بولندا، خصوصا بعد تصريحات المسئولين الأوكرانيين التي أشارت إلى ذلك، إلا أن تأكيدات أتت من الحلف الغربي تنفي ذلك، حيث أفاد مصدر في حلف شمال الأطلسي بأن الرئيس الأميركي جو بايدن أبلغ حلف الناتو ومجموعة السبع بأن مصدر "صاروخ بولندا" صدر من الدفاع الجوي الأوكراني.
وأكد وزير الدفاع البلجيكي، اليوم الأربعاء، أن نظام اعتراض الصواريخ الأوكراني وراء سقوط الصاروخ في بولندا، وفي وقت سابق، نقلت وكالة الأسوشيتد برس عن 3 مسؤولين أميركيين قولهم إن الصاروخ الذي سقط على بلدة بشيفودوف البولندية لم تطلقه القوات الروسية وإنما القوات الأوكرانية لاعتراض صاروخ روسي، لكنه سقط داخل الأراضي البولندية.
روسيا : الغرب يخطط لحرب عالمية
ويبدوا أن روسيا لا تستبعد تعمد بعض الأطراف في إشعال حرب عالمية، حيث اعتبرت أن الاتهام بأنها مصدر الصاروخ، الذي أسفر عن مقتل شخصين في بولندا، يشكل استفزازا متعمدا هدفه تصعيد الموقف، وذهب الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف إلى إن الهجوم الصاروخي المزعوم على الأراضي البولندية يظهر أن الغرب يقترب من حرب عالمية أخرى.
وفي موسكو، أصدرت وزارة الدفاع الروسية بيانا أشارت فيه إلى أنها شنت هجوما واسع النطاق على أهداف عسكرية ومنشآت للطاقة في أوكرانيا، وشدد على أنها أن أقرب ضربة تبعد عن حدود بولندا نحو 35 كيلومترا، موضحا أن الصور ذات الصلة بحطام الصاروخ تظهر أن "صاروخ بولندا" يعود لمنظومة إس 300 الأوكرانية.
أوروبا والعالم ومحاولة إحتواء
وبعد أن كانت هناك حالة من الغضب من الهجوم الروسي على أوكرانيا بشكل عام وصاروخي بولندا، إلا أن دول الغرب والولايات المتحدة الأمريكية والناتو أدركوا خطورة ذلك، وبدأوا في محاولة التريس لتجنب الصدام المباشر مع روسيا والذي بداية الحرب العالمية.
وسارع الرئيس الأميركي جو بايدن بالتصرح بأن المعلومات الأولية تدحض فرضية أن يكون الصاروخ الذي سقط في بولندا كان قد انطلق من روسيا، وهو ما قاله الرئيس البولندي ذاته بإنه "لا يوجد دليل على هوية مطلق الصواريخ"، فيما استبعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن تكون لروسيا علاقة بسقوط صواريخ في بولندا، ويؤكد صحة الموقف الروسي الذي نفى صحة المزاعم التي تروجها وسائل الإعلام البولندية.
الأزمة تتصاعد.. روسيا تستدعي سفير بولندا سي إن إن: صواريخ أوكرانية سقطت في بولندا أثناء اعتراض ضربة روسية
وحذرت ألماينا من خطورة التسرع، حيث أكد المستشار الألماني أولاف شولتز على وقوف بلاده إلى جانب بولندا، إلا أنه حذر من أي "استنتاجات متسرعة" بشأن الصاروخ في بولندا، وهو موقف رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، الذي قال إن بلاده تنتظر "نتائج التحقيق بصاروخ بولندا"، فيما دعت فرنسا إلى توخي "أقصى درجة من الحذر" بشأن مصدر الصاروخ الذي سقط في بولندا، مؤكدة أن "دولا عدة" في المنطقة تمتلك النوع نفسه من السلاح، محذرة من "خطر تصعيد كبير".
التاريخ يحذر العالم من شرارة بولندا
وتأتي التخوفات العالمية من "شرارة بولندا"، طبيعية نتيجة للسوابق التاريخية، حيث كانت بولندا هي شرارة الحرب العالمية الثانية، وإعلان انجلترا وفرنسا الحرب مع ألمانيا بعد اجتياح الأخيرة بولندا لإرجاع الجزء الألماني بها بعد نزعه منها بعد الحرب العالمية الأولى.
وبداية القصة أن أدولف هتلر ترسخ لديه أثناء سجنه بعد فشل انقلابه على حكومة بافاريا في نوفمبر 1923، ضرورة توسع الشعب الألماني، أولا باستعادة كل الأراضي التي يقطنها أخوتهم الألمان في دول أخرى، ثم التوسع نحو الشرق، أي على حساب الاتحاد السوفيتي.
وكانت بولندا في السابق مقسمة ما بين الإمبراطورية الروسية، والإمبراطورية الألمانية وبعد الحرب العالمية الأولى ظهرت دولة بولندا بأخذها أراضي من الإمبراطوريتين السابقتين منحتها لها معاهدة فرساي، وبعد وصول هتلر إلى السلطة عام 1933، بدأ رويداً رويداً تنفيذ مشروعه التوسعي، وبعد استيلائه على جمهورية التشيك بدأ غزو بولندا بهجوم مزدوج شنته القوات الألمانية والسوفيتية عام 1939 على الجمهورية البولندية، بعد اتفاق سري بنهما لاسترجاع كل دولة الجزء الخاص بها.
غزو بولندا كان بالفعل بداية الحرب العالمية الثانية، إذ سرعان ما أعلنت المملكة المتحدة الحرب على ألمانيا في 3 سبتمبر تبعتها في ذلك فرنسا، بعد اجتياح أملاني خلف خسائرا في صفوف الجيش البولندي بلغت نحو 66 ألف قتيل و 694 ألف أسير فيما أنسحبت القوات البحرية البولندية إلى المملكة المتحدة.
بولندا.. من مقرّ لحلفٍ سوفياتي إلى "نجم أطلسي"
ومع انضمام روسيا إلى الحلفاء ضد روسيا، كان من الطبيعي أن تكون بولندا جزءا من سيطرة الاتحاد السوفيتي، وبالفعل كانت بولندا هي ذاتها مقرا لحلف وارسو الذي أعلن عام 1955، وهو حلف مناوئ لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وعمل كمنظمة عسكرية سابقة لدول أوروبا الوسطى والشرقية الشيوعية، لمواجهة التهديدات الناشئة من أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو).
إلا أنه بانتهاء الحرب الباردة عام 1991 وسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي، بدأت الدول بالانسحاب من حلف "وارسو"، لتنضم واحدة تلو الأخرى إلى حلف الناتو، وبعدها تصاعدت التوترات بين بولندا وروسيا على وجه التحديد، خصوصا بعد تصريحات بولندا بإدانة التدخلات الروسية في الشيشان، ثم طردها دبلوماسيين روس على خلفية اتهامات بالتجسس.
وكان من الطبيعي أن يتم اتهام الغرب لروسيا بعد احتلال جزيرة القرم، بوجود رغبة لديها في اجتياح بولندا ودول البلطيق الثلاثة، إلا أن وزارة الدفاع الروسية أصدرت بياناً تنفي فيه أي رغبة لغزو بولندا.
تقارب أمريكي بعد ضم القرم
وعلى الرغم من أن ألمانيا الغربية كانت محور الخطط الدفاعية "الأطلسية" المعادية لروسيا، واستضافت مئات الآلاف من القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها، إلا أن بولندا باتت تتولى هذا الدور بشكل متزايد، بوصفها أحد أكثر أعضاء التحالف قوة، خصوصا بعد ضم روسيا للقرم.
في أغسطس 2019، قال السفير الأميركي في برلين، ريتشارد غرينيل، إنه "في ظل تقاعس ألمانيا عن زيادة الإنفاق العسكري إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، قد لا يكون أمام واشنطن سوى نقل قواتها المتمركزة في ألمانيا، إلى بولندا"، وهو ما حدث بالفعل حيث ساعدت واشنطن بولندا بسرعة كبيرة لتطوير أنظمتها الدفاعية، بسبب تحركات روسيا، والقيام بمناورات عسكرية مشتركة بينهما عدة مرات.