أهالي غزة يرون كواليس الحصار الإسرائيلي بعد عودة الاتصال: نجونا بمعجزة وسلاحنا كان الدعاء والصيام
حجب افتراضي وواقعي، فرضه الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، طوال يومي الجمعة والسبت الماضيين، بعد أن بات قطاع غزة محجوبًا عن العالم، حيث يتفنن الاحتلال في تضييق عنق الزجاجة على قطاع غزة، فلم يكتفِ بقطع المياه والغذاء ومنع وصول المساعدات والمستلزمات الطبية؛ بل قطع اتصالهم عن العالم فلا مكان للهروب من القصف ولا مجال للاتصال بالعالم الخارجي، يصارعون الموت طوال 48 ساعة متواصلة، وصفها البعض بأصعب وأقسى اللحظات التي مرت عليه في حياته، ومع صباح اليوم الأحد، لم يتوقف القصف ولا أصوات طائرات الاحتلال الإسرائيلي فوق سماء قطاع غزة، في سلسال دم مستمر منذ 8 أكتوبر الجاري، وذلك بعد شن المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى والتي وصفتها إسرائيل بالمأساة الأكبر في تاريخها، ولكن أخيرًا خرج صوت سكان غزة من جديد.. عاد الاتصال.
لمدة ساعة ونصف، ومشيًا على الأقدام، تحت نيران القصف المتواصل، يتحرك خالد أبو سلطان، داخل القطاع ذهابًا وإيابًا، بين بيته وبيت والدته، يطمئن على والدته هنا تارة وأخرى يطمئن على أسرته، محملًا بمرسال ممن يطمئن عليه إلى الآخر «نحن لا زلنا على قيد الحياة»، يدفعه في ذلك قلق والدته الزائد: أمي كان قلبها هيوقف من الخوف مفيش أي أخبار، ومحدش عارف مين عايش ومين ميت، محدش عارف يطّمن على حد حتى اللي جوا غزة.
على مدار 23 يومًا يواجه الفلسطينيون الموت، قصفًا عنيفًا متواصلًا، ولكن الـ 48 ساعة الماضية، يصفها الشاب الثلاثيني، بأصعب الأيام التي مرت عليهم في كل حياتهم، حيث العزلة عن العالم الخارجي ومجازر بصوت صامت ولا صوت يعلو فوق صوت الدماء، ولكنهم كتب لهم النجاة مرة أخرى، «احنا لسه عايشين.. بكل ثانية ننجو بمعجزة والله».
كنا ننتظر الموت
في ساعات نهار يوم الجمعة الماضي، وقفت خلود سمير، سيدة فلسطينية من قطاع غزة، في وسط مطبخ بأحد المنازل التي نزحت إليه في خان يونس، بعد خسارتها منزلها في قصف إسرائيلي على منطقة المخابرات بالأيام الماضية، وإذ بها تشعر بانفجار جديد يحاصرها من إثر شدة القصف على منزلين بجوارها أصبحا ركامًا، استشهد خلاله جميع جيرانها.
أصبحت الثلاثينية وحيدة مع زوجها وأطفالها تواجه الخوف والموت، «جيراني شهداء مجازر صارت واحنا مقطوعين، من لما قطعوا الاتصالات صار القصف عنيف بكل الطرق.. رعب أبشع حرب تمر علينا، الطيران لا يتوقف ولو لدقيقة، حتى الطيران الصواريخ كله جديد أمريكي.. عشنا في رعب وكنا هنموت من الخوف».
«قاعدين حاضنين أولادنا وننتظر الموت» بتلك الكلمات وصفت التي تزحف نحو الـ 31 من عمرها، حالتها طوال يومي الجمعة والسبت خلال قطع الاتصالات والكهرباء على قطاع غزة، جراء قصف عنيف وجنوني لم يتوقف طوال 48 ساعة، لم تكن حالتها فحسب، فكل قاطني القطاع مشروع شهيد أو جريح، متأهبون للموت بأي لحظة.
وتقول الأم، إنهم تعرضوا في تلك الساعات إلى قصف جنوني كارثي كانوا ينتظرون الموت بأي لحظة، قصف جوي بحري بري، سيارات الإسعاف لا يعرفون طريقها ولم يجدوا طريقة للتواصل معهم، أما الزاد من الطعام والمياه، يكاد يكون معدوما، فشحّت المياه واضطروا لشرب مياه غير صالحة، أما الطعام كانوا يأكلون ما يجعلهم على قيد الحياة فقط، يصارعون تلك اللحظات بالدعاء والصلاة.
لم تكن خلود وحدها تواجه بطش ووحشية الاحتلال الإسرائيلي بالدعاء والصلاة؛ فأغلب سكان غزة واجهوا ساعات الانعزال عن العالم بالصيام بنية تفريج الكرب وطلب الأجر والثواب، متمنين استجابة الله لدعوتهم عند الفطور، حيث تقول سارة عاشور لـ القاهرة 24، إنها كانت تتسلح هي وعائلتها بالصيام حالها حال الكثيرين من سكان القطاع: اكتشفت إنه أغلب الناس بغزة بتصوم مش بس عائلتي، ومش بس عشان ما في أكل وميّ يكفي 3 وجبات باليوم، لا بنصوم بنيّة تفريج الكرب، وطلب الأجر والثواب، والدعاء المستجاب عند الفطرة، واللي عليه صيام قضاء من رمضان بيقضيه حتى لا يكون له أو عليه شيء في هذه الدنيا.
وتصف الفتاة العشرينية شعورها بعد عودة الاتصال صباح اليوم الأحد، بالشعور الغريب، فلم يتوقف القصف ولا نزيف الدم، ولكن صوتهم خرج للعالم مرة أخرى.. «وأخيرًا فيه عالم بتسمعنا.. شعورنا باليومين اللي فاتوا زي اللي بيصرخ بأعلى صوته بس محدش سامعه».
الجمعة والسبت الماضيان، من أصعب الليالي التي مرت على الفتاة الفلسطينية وعائلتها، حيث يحاصرهم القصف من كل الاتجاهات بشكل جنوني، وجرحى القصف ينقلون إلى المستشفيات وسط الضرب بسياراتهم الخاصة وعلى الدواب، وكان كل ما يخيفها في تلك اللحظات أن تكون هي وعائلتها أحد أهدافهم العشوائية ولا يعلم بهم أحد.