في ذكرى وفاته.. مشوار جعفر النميري من الحياة العسكرية لـ”رئاسة السودان”
في مثل هذا اليوم من عام 2009 تُوفى جعفر النميري، الرئيس الرابع لجمهورية السودان، خلال الفترة من 25 مايو 1969 إلى 6 أبريل 1985، وأحد أكثر الرؤساء في تاريخ السوان إثارة للجدل؛ إذ شهدت حقبته توترات سياسية وصراعات انتهت بعزله عن الحكم والبقاء خارج البلاد.
عن نشأة جعفر نميري
ينتسب الرئيس جعفر نميري إلى قبيلة الدناقلة، وهي من القبائل النوبية في شمال السودان، وتحديدا قرية ود نميري التي تقع جنوب دنقلا حاضرة الولاية الشمالية وكان والده يعمل جنديًا في "قوة دفاع السودان" لكنه بعد الزواج ترك العمل في الجيش واختار العمل ساعيًا في شركة سيارات، وكان جعفر كثير الترديد بعد وصوله إلى السلطة بأنه ابن الساعي للتدليل على انتمائه وانحيازه لعامة الشعب.
درس النميري بمدرسة الهجرة بأم درمان والوسطى الابتدائي بمدرسة ود مدني الأميرية، ثم مدرسة حنتوب وبعد ذلك تقدم لكلية الخرطوم الجامعية ولكنه آثر الالتحاق بالكلية الحربية السودانية لأسباب مادية عام 1950، وتخرج في الكلية الحربية بأم درمان، وحصل على الماجستير في العلوم العسكرية من فورت ليفنورث بأركنساس الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1966.
انقلاب عسكري
عمل في عدة مواقع بالجيش السوداني شمالًا وجنوبًا، وأصبح له نشاط واضح، اتهم على أثره عام 1955 بتدبير انقلاب عسكري على النظام الديمقراطي القائم في البلاد في ذلك الوقت، غير إنه بعد التحقيق معه حُفظ التحقيق.
أُجرِيَ التحقيق معه مرةً أخرى حول محاولة انقلابية فاشلة قادها ضابط اسمه خالد الكد، غير أن التحقيق لم يتوصل إلى ما يجرِّم النميري إلى أن أصبحت الهواجس حقيقة، وفي صبيحة يوم 25 مايو 1969م بثت إذاعة أم درمان بيانًا للعقيد أركان حرب جعفر محمد النميري معلنًا استيلاء القوات المسلحة السودانية على السلطة في البلاد.
تم تكوين مجلسين هما: مجلس قيادة الثورة برئاسته الذي ترقى في اليوم ذاته إلى رتبة لواء (ثم لاحقا إلى رتبة مشير) ومجلس الوزراء تحت رئاسة بابكر عوض الله رئيس القضاء السابق الذي استقال من منصبه في عام 1964 م، احتجاجًا على قرار حل الحزب الشيوعي السوداني.
توجهاته في القيادة
وضحت منذ البداية توجهات النميري من خلال اختيار حكومة يسارية، ضمت في تشكيلتها عددًا كبيرًا من الشيوعيين واليساريين البارزين والقوميين العرب، وشكَّل أنصار الحزب الشيوعي قاعدة شعبية لها، فيما تولت المنظمات التابعة له دعم النظام الجديد الذي عُرف لاحقًا بنظام مايو وحشد التأييد الشعبي له.
ركزت البيانات الأولى للحكام الجدد على فشل التجربة الديمقراطية ذات الأحزاب المتعددة في السودان في حل مشكلات السودان الثلاثة التنمية والجنوب والدستور الذي شله الصراع الحاد بين دعاة العلمانية والدولة الدينية، وأعلنت حكومة نميرى الحرب على الأحزاب التقليدية وفي مقدمتها حزب الأمة والإتحادي الديمقراطي ووصفتها بالإقطاع.
لكن بدأت الخلافات تطفو على السطح داخل المعسكر اليساري، خاصة بين الشيوعيين والقوميين العرب والناصريين حول الرؤى والتصورات التي يجب أن يأخذ بها النظام في تعاطيه مع مشاكل السودان، ورفع القوميون العرب شعار الدين في وجه الشيوعية مطالبين بالاشتراكية العربية المرتكزة على الإسلام في مواجهة الاشتراكية العلمية.
الحرب الأهلية
مع بداية عام 1983 م، بلغ الاحتقان ذروته وتفجر الوضع في الجنوب عندما رفضت فرقة عسكرية في مدينة أكوبو بشرق أعالي النيل بالجنوب الأوامر الصادرة إليها بالانتقال إلى الشمال واغتالت الضباط الشماليين وفرت بعتادها إلى الغابة مطلقة على نفسها اسم حركة "انيانيا ـ 2 ".
أرسلت الحكومة ضابطاُ جنوبيًا برتية عقيد هو جون قرنق دي مابيور لإثناء الفرقة المتمردة عن تمردها وحثّها على إلقاء السلاح، إلا أن العقيد جون قرنق انضم إلى المتمردين في الغابة بدلًا عن تهدئتهم وإقناعهم بالعدول عن التمرد، ودشن الجيش الشعبي لتحرير السودان وجناحها المدني الحركة الشعبية لتحرير السودان، وبدأ هنا العد التنازلي لحكم جعفر نميري، بعد اشتعال حرب مستعرة بين شمال السودان وجنوبه والارتباك السياسي والضبابية التي لم تعهدها البلاد من قبل.
الانقلاب ضده
سافر جعفر النميري في رحلة علاج إلى واشنطن في الأسبوع الأخير من مارس عام 1985، وبلغت مسببات الغضب على نظامه درجاتها العليا، وخرج الناس إلى الشارع تقودهم النقابات والاتحادات والأحزاب ليعلن وزير دفاعه آنذاك الفريق عبد الرحمن سوار الذهب عزله عن الحكم، حين كان نميري في الجو عائدًا إلى الخرطوم ليحبط الانتفاضة الشعبية، ولكن معاونيه نصحوه بتغيير وجهته إلى القاهرة وطلب اللجوء السياسي.
عاش جعفر النميري في القاهرة حتى عام 2000، ثم عاد مرة أخرى إلى الخرطوم وحاول العودة للسياسة من خلال حزب سياسي لكن الأمراض حاوطته وتُوفي عام 2009.